تغيّرات مالية وجيوسياسية- نظام عالمي جديد يتشكّل وتهديدات للشرق الأوسط.

المؤلف: حسين شبكشي08.19.2025
تغيّرات مالية وجيوسياسية- نظام عالمي جديد يتشكّل وتهديدات للشرق الأوسط.

في خضمّ الأحداث المتسارعة التي تعصف بعالمنا، انكببتُ في الأيام القليلة الماضية على متابعة الأخبار الاقتصادية والسياسية الجوهرية، ساعيًا إلى استيعاب كنهها واستكشاف أبعادها الخفية.

الدولار الأمريكي في مسار انحداري مستمر، إذ تتضاءل قيمته باطراد، ففي غضون الأشهر الستة الماضية، فقد ما يزيد على 11% من قيمته. وتتماشى هذه الظاهرةُ تمامَ الانسجام مع السياسات التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، التي ترى في تخفيض قيمة العملة الأمريكية هدفًا استراتيجيًا لتشجيع الصناعة وتقليل التكاليف وتعزيز القدرة التصديرية، وبالتالي تضييق الفجوة الشاسعة في العجز التجاري بين أمريكا والصين.

في المقابل، نشهد ارتفاعًا باهرًا في قيمة عملة البيتكوين الرقمية، تجاوز 60% خلال ثلاثة أشهر فقط. إنه حقًا مشهدٌ يستحق التأمل!

يتضح لنا جليًا أننا على أعتاب تحولٍ بالغ الأهمية، فالأمرُ أبعدُ ما يكون عن مجرد تقلبات في الأسعار وارتفاع وهبوط، بل إننا نشهد، بكل وضوح وجلاء، تشكل نظام مالي جديد. لقد فقد العالم ثقته في العملات التقليدية، وذلك نتيجة لطباعة النقود بكميات هائلة وتوزيعها بسخاء في الأسواق، مما أدى إلى خروج معدلات التضخم عن نطاق السيطرة.

تسارع الحكومات في جميع أنحاء العالم لإنشاء نسخ رقمية من عملاتها الوطنية، وتعكف كبرى الشركات على اعتماد العملات المشفرة كوسيلة للدفع، وبدأ المستثمرون الأذكياء يتوجهون نحو العقارات المرمزة رقميًا لاعتمادها كأصول.

لم يعد الحديث هنا عن مجرد أدوات استثمارية جديدة، بل عن لغة مالية مختلفة تمامًا، ومن يعجز عن إتقانها اليوم سيجد نفسه مهمشًا ومنبوذًا في الغد.

وليس هذا هو المشهد الوحيد الذي يثير الاهتمام، فهناك أيضًا التهديد الصريح الذي أطلقه مبعوث الإدارة الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط، توم باراك، بحق لبنان، إذ قال: «إن على لبنان أن يتحرك وإلا أصبح جزءًا من بلاد الشام». أثار هذا التصريح ضجة واسعة وجدلاً متوقعًا، ولكنه قد يتماشى تمامًا مع توجه عام سبق أن أُعلن عنه في بيان رسمي صادر عن السفارة الأمريكية في سوريا، انتقد فيه بشدة اتفاقية سايكس بيكو والأضرار التي ألحقتها بالمنطقة، ملمحًا بوضوح إلى أنها قد انتهت وأن واقعًا آخر مغايرًا يجب أن يحل محلها.

وإذا كان تصريح دونالد ترمب الشهير بشأن إسرائيل، بأنها دولة صغيرة وأن حدودها يجب أن تتسع، لا يزال عالقًا في الذاكرة، فيجب ربطه بالأحداث الجارية على أرض الواقع، لأنها هي الأساس.

دعونا نسترجع معًا الخريطة التي قدمتها المنظمة الصهيونية العالمية لمؤتمر الصلح في باريس عام 1919، والتي تُظهر حدود الدولة الصهيونية المقترحة بأنها تضم مصادر المياه في لبنان وسوريا، أي من نهر الليطاني شمال صيدا وصولاً إلى شمال قرية القرعون في البقاع وجبل الشيخ الذي تسعى إسرائيل لضمه، إضافةً إلى مصادر مياه في سوريا أيضًا. وتجدر الإشارة إلى أن الخريطة في ذلك الوقت ضمت حوض الأردن بضفتيه.

وإذا تحقق ما يذكره مرارًا السفير الأمريكي لدى تركيا، توماس براك، بشأن تغيير خرائط سايكس بيكو – وهو أيضًا مبعوث الرئيس الأمريكي لأزمة سوريا – فإن تكرار تهديده بإعادة النظر في سايكس بيكو قد يشمل لبنان وليس سوريا فقط، مع احتمال تقسيم لبنان إلى أربع مناطق:

قسم جنوبي لإسرائيل يمتد من نهر الليطاني شمال صيدا ويشمل حوض الليطاني من النقطة التي يتعمق فيها وتغزر مياهه في القرعون حيث السد، وليس فقط الضفة الجنوبية لليطاني. بمعنى أن صيدا وصور وباقي المدن تصبح ضمن القسم الذي تطمع فيه إسرائيل من لبنان.

قسم شمالي يشمل ما تبقى من سهل البقاع وعكار وطرابلس، ويضم إلى سوريا الحالية.

قسم على الساحل والجبل بحدود إمارة لبنان الصغيرة، وتكون عاصمته بيروت.

قسم رابع يفصل بين ما تنوي إسرائيل احتلاله جنوبًا وبين لبنان الصغير المذكور أعلاه، لإقامة دويلة بأغلبية درزية تبدأ جنوب بيروت وتمتد من ساحل الشوف عبر وادي التيم وتصل إلى السويداء جنوب دمشق.

إنها مجرد علامات صغيرة ومشاهد دقيقة تتطلب منا التنبه إليها والتمعن فيها؛ لأن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تشكل وتصمم الصورة النهائية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة